مساء يأسره الوجع
الكاتب علاء الريماوي
في ليلتي طفت مع حروف نسجت على صفحة التواصل الاجتماعي ، مللت كثيرا منها ، وفررت من معان وجدتها كئيبة ميته ، لكن أوقفتني أم رائعة كتبت " اللهم لا تحرمن ولدا من والده يوم العيد " دققت في الكلمات وأمنت ومعي جمع قليل تفاعل مع الدعاء . في تدقيق النظر في اسم كاتبة الكلمات ، تعرفت عليها وإذا بها زوجة اسير حبيب رائع وفذ ، نظرت في وجوه أولادي ، ورجعت بالذكريات الى ميلاد ثلاثتهم الذين لم أشهد واحدا منهم ، تاركا صعب ذلك لزوجة رائعة وصابرة كانت تأتيني بهم على شبك الزيارة الذي منع مني القبلة الأولى والأذان في أذن أولادي . إحتضنتهم الليلة ودعوة ربي الحفظ و أن يتمم لنا صحبتهم في فرحة العيد ، في غمرة الدعاء شعرت في نفسي كم تسكن الأنانية قلوبنا ، وكم هي الذاكرة بليدة وهي تسقط ذكريات لأحبة ظلوا في أحشاء الظلمة يتلوون من وجع القيد الذي طالت سنواته وصعب الصبر عليها . في حكاية الصبر ظل الأسير في ذاكرة الناس نموذجا للخطاب الهادر حتى ظن الناس أننا أمام صنف من البشر لا يسكن في صدره قلب دافق المشاعر ، عظيم الإحساس ، نبيل الوصل إذا عاش الذكريات المقتولة على بوابة الحرمان القاسي . في ما تذكرت من حكايات الاسر أثناء محاولتي كتابة المقال " الشهيد جمال السراحين " تعرفت عليه في العام 94 ولقيته بعد ذلك في سجون مختلفه ، كان وسيما ، رائعا ، محبا لإخوانه ، غاب عني وغبت عنه سنوات عديدة حتى التقينا في العام 2007 في سجن النقب الصحراوي ، كان متعبا ، مريضا تنتابه موجات من الإعياء الكبير الذي تلاقيه ادارة المعتقل بالاستخفاف وعدم المبالاة . مضت الأيام وزاد معها الم جمال حتى وصلنا إلى ساعة دعانا فيها اليه بعد صلاة الفجر قائلا " إخواني سامحوني ، أنا اليوم بدي أموت ، انا بحملكم أمانه قولوا لبنتي الوحيده اني بحبها وتبسم " كانت ابتسامته حزينة ، عيونه ذابلة ، و كلماته مرتعشة عميقه ، حاولنا التهوين عليه وخرجنا في طلب إدارة المعتقل فما هي إلا سويعات من خروجه للمشفى ، اذا بممثل المعتقل يأتيني على عجل و يهمس في اذني " جمال استشهد " وقفت مشدوها تسمرت الدموع في عيني ، سألني إخواني ما الخطب ، حتى اذا عرفوا كان المشهد حزينا ، قاسيا ، تذكرت معه الأمانة التي حملنا إياها " قولي لبنتي الوحيده اني بحبها" أمانة لم أحمل في حياتي أثقل منها ، كتبتها في مقال سابق ، ونقلتها لأهل بيتها ، وها أنا أعيدها اليوم جمال السراحنة اشهد الله انه يحب ابنته التي ما عاش معها سوى بعض من سنوات مفرقة ، كبرت خلالها وهي تعرف أن لها والدا مجاهدا لم يهرب من أبوته ، إنما بذل روحه كي نعيش وتعيش ابنته آمنة في وطن حر لا تسرق فيه البسمة ولا تغتال في أيامه ساعات الفرح . خليط الكلمات التي أكتبها اليوم في زاوية الأوراق الإسرائيلية اعتذار واعتراف بالتقصير الكبير تجاه من أبقينا خلفنا من إخوان تمردوا على قافية الذل ، ثم تناسلوا يحملون حروفا من جذر الضاد العربية ، سوداء كالغضب كتبوا عبرها رواية فداء ما سجل التاريخ لها مثيلا . في حكاية التسجيل راودني حب المعاودة والاطلاع على مدى التفاعل من جمهور المتصفحين مع دعاء المرأة ، فوجدتهم ستة ، أربعة منهم أسرى ، فشككت في الأمر و دققت النظر وإذا بحدث عظيم حول الأنظار عن الدعاء ، كبش يمد لسانه خارج فمه يلقى حركة من التفاعل تصل إلى مئات التعليقات والإجابات في غضون ساعة في الحد الأقصى . حضرة الكبش كان أبلغ لدى جمهور المتصفحين من دعوة أم كتبت كلماتها وبجانبها طفلة لم تتجاوز الثلاث سنوات لم ترى والدها سوى بعضا من ساعات على زجاج الزيارة . في ختام حديث اليوم ومع الذكرى السنوية الأولى لصفقة وفاء الأحرار بات مهما التذكير بأن حكاية الأيام ما زالت قاتمة على أسرى كثر ينتشرون في سجون عديدة ، هؤلاء ليسوا نسلا مقطوعا عن الحياة بل لهم اسر تنتظرهم بلهفة ، لذلك بات مهما التذكير بأن الواجب يحتم علينا الوقوف معهم مساندتهم زيارتهم ومآزر تهم خاصة ايام العيد وإن غضب كتبة التقارير في وطني . حديث الكلمات في النصرة وإن ظل عاجزا ، يظل الأمل بالله بأن يعجل الفرج بإرادته إنه على كل شي قدير .