Menu
12:19محكمة الاحتلال ترفض الإفراج عن الأخرس
12:13المالكي : دعوة الرئيس بمثابة المحاولة الاخيرة لإثبات التزامنا بالسلام
12:10الاردن يعيد فتح المعابر مع فلسطين بعد اغلاق استمر لأشهر
12:07الخارطة الوبائية لـ"كورونا" بالقطاع
12:05"إسرائيل": التطبيع مع السودان ضربة لحماس وايران
12:02"اسرائيل " علينا الاستعداد لما بعد ترامب
12:01الاحتلال يقتحم البيرة ويخطر بإخلاء مقر مركزية الإسعاف والطوارئ
11:59"الاقتصاد" بغزة تجتمع بأصحاب شركات مستوردي فرش الغاز
11:51«الديمقراطية»: سيقف قادة الاحتلال خلف قضبان العدالة الدولية
11:51الوعى الاستثنائى فى فكر  د.فتحى الشقاقى
11:47قيادي بحماس يتحدث عن "أهمية رسالة السنوار لرموز المجتمع"
11:45مستوطنون يقتحمون قبر يوسف بنابلس
11:40مقتل سيدة ورجل بالرصاص في باقة الغربية واللد
11:28الإمارات تسرق "خمر الجولان" السوري وتنصر "إسرائيل" ضد BDS
11:26صحيفة: تفاهمات بين القاهرة وحماس حول آلية جديدة لعمل معبر رفح

المستجدات على الساحة الإقليمية وخياراتنا الاستراتيجية:الوطن إلى أين؟..د. أحمد يوسف

عدت من تركيا مفعماً بالكثير من الحيوية والمشاعر الوطنية الجياشة بعد المشاركة في مؤتمر "الصحوة العربية والسلام في الشرق الأوسط: وجهات نظر إسلامية مسيحية" المنعقد بمدينة استانبول بتاريخ 7-8 سبتمبر 2012.


حضر رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان المؤتمر وألقى كلمة الافتتاح فيه، ثم تناوب المشاركون من 19 دولة عربية إضافة لعدد من المفكرين من أمريكا وبريطانيا حواراتهم ومداخلاتهم فيما يتعلق بشأن ما جرى من تغييرات على الخريطة السياسية، حيث غابت العديد من وجوه الأنظمة المستبدة، وحلَّ محلها نظم جديدة أكثر انفتاحاً وديمقراطية، اعتمدت مبدأ الشراكة السياسية، وتراضت على أن تكون "الدولة المدنية" هي الناظم لشكل الحكم، ومحدد العلاقة بين المسلمين والمسيحيين على أساس المواطنة والعيش المشترك.


أمتعتنا كلمات السيد أردوغان والكلمات التي أعقبتها للدكتور أحمد داود أوغلو؛ وزير الخارجية، وكذلك البروفيسور محمد غورمز؛ رئيس الشئون الدينية، بأبعادها الإنسانية ولغتها الحضارية، وتميز مفرداتها الإسلامية.


كان المؤتمر فرصة لي للقاء بهذا الحشد الكبير من علماء الأمة ومفكريها ورجال السياسة وخبرائها، فكانت فلسطين حاضرة في جلساتنا وحواراتنا الجانبية.. السؤال الذي كان يطرحه الجميع كلما جاء ذكر فلسطين هو: أين وصلت جهود المصالحة بين فتح وحماس؟!!


بالطبع، يضعنا هذا السؤال دائماً في حرجٍ كبير، لأن جواب تحميل "الطرف الآخر" وزر تعطلها وابقائنا في دائر المراوحة في المكان لم يعد مقنعاً، ولا حتى الإشارة إلى أمريكا وإسرائيل؛ باعتبار أنها غدت شماعة تعكس حالة العجز الفلسطيني والعربي.


إن العلة التي يراها هؤلاء الإسلاميين والمثقفين العرب تكمن في تقصير الفلسطينيين أنفسهم، أما "الآخر" فهو ذريعة للتهرب من الاتهام بفقدان الإرادة السياسية لدى كلٍّ من طرفي الأزمة؛ فتح وحماس.
إن الجميع في ساحتنا العربية والإسلامية يفهم لماذا تريد إسرائيل استمرار الانقسام وحتى تأبيده، ويتفهم بواعث مسعاها لإجهاض أي محاولة تعيد التواصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة.. ولكن السؤال الذي يطرحه كل من التقيناهم هو: ماذا فعل الرئيس عباس والأخ خالد مشعل وهنية وفياض لتحقيق التقارب والانفراج وجمع الشمل؟!! ماذا قدّم كل منهم لتأكيد حرصه وصدقه بأن المصالحة هي خيارٌ وطني استراتيجي، ولو كلفه ذلك التراجع عن أو كل الاشتراطات التي تمثل عقبة كأداة أمام الوصول إليها، والحفاظ على قوة نسيجنا المجتمعي ومشروعنا الوطني في التحرير والعودة.


العرب والعالم وفلسطين: آمال وتطلعات


لقد نجحت الصحوة العربية في انتاج مناخ سياسي قائم على الشراكة السياسية في سياق تحالفات بين الإسلاميين والليبراليين والعلمانيين والقوميين، وهذا التحول سوف يمهد – بدون شك – الطريق للاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي وتحقيق الأمن والأمان، وهذه كلها تعتبر أعمدة راسخة لبناء هيبة الدولة وترسيم حدود فعاليتها على الخريطة الدولية، بحيث تصبح مواقفها لها صدى وتأثير ومكانة تحت الشمس.


إن القضية الفلسطينية كانت مهمشة، ولا تحظى بأي قيمة استراتيجية في حسابات الدول العربية التي كانت - وماتزال - تدور في فلك السياسة الأمريكية، أو تقيم علاقات (غير شرعية) مع دولة الكيان الغاصب، من حيث أنها تخفي ارتباطاتها السياسية والتجارية بعيداً عن أعين شعوبها، وتتخذ من مثل تلك العلاقات مدخلاً لتعزيز حظوتها عند السيد الأمريكي، باعتبار إن دولة الاحتلال هي الحليف المدلل والطريق لكسب قلب الكونجرس والإدارة الأمريكية.   


اليوم، وبعد التغيير الثوري والنهضة التي حركتها شعوب المنطقة العربية بصحوتها لم يعد مقبولاً – بأي حال – ترك القضية الفلسطينية في مهب الريح، بين عجز قادتها وتشرذم فصائلها وأحزابها وبين تغييبها عن خريطة الاهتمام الدولي.. إن القضية الفلسطينية هي قضية الأمة، وهي وإن تجاهلها الساسة والرؤساء حيناً من الدهر، فهي قلب الأمة النابض، والمحرك بحق لصحوتها ونهضتها.


إن الشعوب التي انتفضت من أجل حريتها وكرامتها، وأسقطت عروش الطغاة في تونس وليبيا ومصر واليمن، ومازالت تحاول في سوريا، لن ترضى أن يظل الفلسطينيون بلا دولة؛ يواجهون الموت والحصار والعدوان، وأن تبقى دولة الاحتلال مستمرة في تهويدها للمقدسات، وفرض سيطرتها وسياساتها الاستيطانية على الضفة الغربية، وتهديداتها الدائمة باجتياح قطاع غزة.


إننا نتفهم – وهذه الشعوب العربية معنا – أن الصحوة العربية أو ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي يحتاج إلى بعض الوقت حتى تستقر الأحوال الأمنية والسياسية، لتباشر الأنظمة التي تخلقت في رحم الثورة مد يد العون والمساعدة للفلسطينيين، ودفع المجتمع الدولي للتحرك لإيجاد حلٍ لقضيتهم رغم أنف إسرائيل، ينتهي بدولة على حدود 67 والقدس عاصمة لها.


إن أمريكا التي ساندت إسرائيل منذ اليوم الأول لفرض وجودها السياسي في المحافل الدولية عام 1948، لن تستطيع أن تحافظ على مصالحها الحيوية وتحمي وجودها في المنطقة إذا ما استمرت في تجاهل الحق الفلسطيني، ومطالب الفلسطينيين في التحرير والعودة.


إن الخريطة السياسية لقدرات العرب وإمكانياتهم لن تسمح لدولة الاحتلال أن تستمر في عربدتها وبسط سطوتها وسياساتها القمعية على الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث إن مجالات الضغط على الدول الغربية الداعمة لهذا الكيان الغاصب سوف تتضاعف بثقل الشارع، الذي غدا جزءاً هاماً من أدوات السياسة الخارجية لدول ما بعد الربيع العربي.


إننا كفلسطينيين أمام فرصة تاريخية لاستعادة حقوقنا المسلوبة، وفرض الحل الذي يحقق لشعبنا طموحاته في نيل الحرية والاستقلال. إن مأساتنا اليوم تكمن في هشاشة موقفنا بعد الانقسام، والذي كان من تداعياته أن أذهب هيبتنا، وأضعف من موقعنا الذي تربع شعبنا عليه – دائماً - في شغاف القلب العربي والإسلامي.


إن إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة يجب أن يكون على رأس أولوياتنا، حتى نتمكن من أن نعين مصر ورئيسها الجديد – د. محمد مرسي - من القيام بواجبه تجاه القضية الأولى للعرب والمسلمين، وإلا فإن علينا الانتظار طويلاً – كما قال لي أحد المفكرين المصريين - قبل أن يصل إلينا عبق الربيع العربي، ونعيش مجدداً حلمنا المجيد في التحرير والعودة.


خياراتنا المتاحة


في ظل حالة التخبط والغثيان وفقدان البوصلة التي أوصلنا لها الانقسام، سنجد أنفسنا أمام عدة خيارات أحلاها مرٌّ وعلقم، وهي لن تتعدى في ملامحها السياسية الأشكال الخمس التالية:


أولاً) بقاء الحال على ما هو عليه (the Status Quo)، أي تكريس الواقع القائم، واستمرار حالة التشرذم والقطيعة بين الشعبين.


ثانياً) الاتفاق على قيام حكومتين مستقلتين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتجمعهما صيغة  عمل كونفدرالية (Confederation).


ثالثاً) ترك ساحة الوطن للاحتلال يتمدد عليها نهباً وتهويداً، والقضاء نهائياً على شكل الدولة الفلسطينية الذي جاءت به أوسلو في سبتمبر 1993 (the Two State Solution).


رابعاً) تبني مشروع الدولة ثنائية القومية (the Bi-National State)؛ وهي صيغة تحفظ للفلسطينيين بعضاً من حقهم المغتصب، وتترك للأجيال القادمة الباب مفتوحاً للاستمرار في فرض وجودهم، وعودة المهجرين واللاجئين إلى أرضهم وديارهم.


خامساً) دخول الضفة الغربية وقطاع غزة في دوامة عنف نتيجة للاحتقان والاحباط المجتمعي، وانسداد الأفق السياسي، وإخفاق حكومتي فياض وهنية في معالجة قضايا الفقر والبطالة، وعجزهما عن انجاز المصالحة الوطنية.  


في حقيقة الأمر، إن إنهاء الانقسام والذهاب إلى الانتخابات العامة في سياق ما سبق التفاهم عليه وتوقيعه في القاهرة في مايو 2011 يبقى هو الخيار الأفضل لنا جميعاً، إلا أن هذا الأمر يتطلب أن تمارس بعض الدول العربية والإسلامية ذات التأثير الكبير في المنطقة كمصر وتركيا فرض حلٍّ على طرفي الأزمة؛ فتح وحماس، لا يخرج عن ما تم التوافق عليه في القاهرة بين الرئيس محمود عباس والأخ خالد مشعل بحضور إخواننا في جمهورية مصر العربية.


نصائح وحقائق تاريخية


هذه بعض الاستنتاجات والمعارف الإنسانية أحببت أن أسديها لإخواننا في القيادة السياسية لكل من فتح وحماس، لعل هناك من يسمع أو يلقي السمع وهو شهيد، وهذه ..


1-  إن شعارات الايدلوجيا تكسب لمرة واحدة، وبعدها يكون الحكم لك أو عليك، لأن السياسة – كما يقولون - هي درجة احتراق الايدلوجيا.


2-  إن كاريزما الزعيم وحدها – كما الحناجر – لا تبني أوطاناً، ولا تجلب الأمن والاستقرار.
3-  إن عيون العامة لا تُخطئ انحرافات السياسة وفساد السياسيين، وخاصة في أوقات الأزمة والحصار، وهي المدخل للثورة والتمرد.


4-  إن وعود المائة يوم الأولى لأي حكومة جديدة هي المحك لمصداقيتها وثقة الشارع فيها، كما أن خيبة الأمل في تحقيق الوعود هي الحاضنة لأي ردَّات فعل غاضبة قد تهدد أركان الحكومة وتقتلعها من الجذور.


5-  إن مرآة التنظيم هي التي تحب أن تُريك ما تحب أن ترى، ومرآة الوطن هي التي تصدقك وتريك ما يجب أن ترى.


6-  إن أي حكومة لم تستطع إخراج الناس من عذابات الفقر والبطالة وتعجز في تحقيق التنمية المطلوبة، فإن رحيلها أفضل من إقالتها أو تركها نهباً لغضبة الشارع ورغبته الجامحة في الانتقام.
7-  إن الحركة التي تعتقد كوادرها بأن وصولها للحكم هو فرصة للتكسب وتحصيل المناصب، سوف تفقد شعبيتها وتخسر رصيدها في أول انتخابات قادمة.


8-  إن الذي يرى في العملية الانتخابية مجرد التصويت للوصول إلى سدة الحكم، وبعدها لن يكون هناك أي تداول سلمي للسلطة، إنما يدفع البلاد إلى مواجهات لن تُحمد عقباها.


9-  إن الوطن لساكنيه؛ مسلميه ومسيحيه، على أساس المواطنة والعيش المشترك.


10- إن الاستقطاب على أساس ديني أو الاصطفاف الأعمى خلف انتماءٍ سياسي أو تعصب فصائلي في وطن محتل إنما هو نكثٌ للغزل، وإهلاك للنسيج المجتمعي، وتفريق للصف وإضعافٍ مميت له.


ختاماً: نفق في نهاية الضوء


كلما شعرنا بأن لدى القيادة السياسية في الضفة الغربية وقطاع غزة إحساس عال بالمسئولية، وأن الجميع - داخل ساحتنا الفلسطينية - مدرك لعواقب الانقسام وتداعياته القاتلة على الشعب والقضية، نفجأ - من حين لآخر - بعودة الردح الإعلامي الذي أصبح له صفحات ومواقع وشاشات وإذاعات، تعيدنا – للأسف - إلى المربع الأول، بعد أن ساد الاعتقاد أننا على وشك الوصول إلى نهاية السباق، وتدشين المصالحة الوطنية.


وما أن يبدأ الردح، حتى تجد ساستنا وسادتنا وكبراءنا كلٌ يلغ فيه، ويطلق العنان لحنجرته التي لا تهدأ ولا تنام.!!


لقد تعودنا القول لشعبنا: اصبروا وصابروا واستمروا على رباطكم، فإن الضوء يتلألأ في نهاية النفق، ولكننا اليوم نشاهد بقراءاتنا التحليلية أن خلف الضوء  - واحسرتاه - أكثر من نفق.