ظلت تركيا منذ أزمتها مع (إسرائيل) على خلفية أحداث مجزرة مرمرة حاضرة في الإعلام (الإسرائيلي) بقوة من خلال تقارير وتحقيقات صحفية تستهدف نشاط حكومة اردوغان في ملفات السياسة ، الاقتصاد ، التعليم ، الصحة ، العلاقات الخارجية ومسار تغيرها في ظل السعي الحثيث لإعادة ترتيب أوراق المنطقة خاصة بعد صعود الإخوان في مصر .
اللافت في شكل المتابعة هو الإجماع شبه التام بين أصحاب الرأي المعتبر في دولة الاحتلال أن نتنياهو أفسد علاقة مهمة مع دولة إستراتيجية في المنطقة .
هذا الحديث تزامن مع لقاء لوزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو حدد فيه العلاقة المستقبلية مع (إسرائيل ) وفق ضوابط وضعها نجملها في الآتي .
1. الاعتذار لتركيا عن القرصنة البحرية على سفينة مرمرة وقتل المواطنين الاتراك مع تعويض مادي لأسر الشهداء .
2. رفع الحصار عن قطاع غزة بشكل كامل وحضاري .
3. وقف الاستيطان في الضفة الغربية والشروع في خطوات عملية نحون السلام الشامل .
4. وقف سياسة التهويد في مدينة القدس ، وخاصة في محيط المسجد الأقصى .
هذا الحديث العميق من قبل راسم السياسة التركية الخارجية جعل القناة الثانية العبرية تقول " خسرت إسرائيل تركيا إلى الأبد ، في المرحلة القادمة ستزداد فجوة الخلاف خاصة بعد ما ظهر من معطيات تفيد بتقارب مصري تركي في ملفات الشرق المهمة والتي على رأسها الملف الفلسطيني الذي ظل محكوما بالتوجهات (الإسرائيلية ).
حديث التخوف في (إسرائيل) لم يكن معزولا عن رصد التغيرات الحادثة في تركيا و التي نلخصها بالاتي .
1. نجح الحزب الحاكم بناء ثقافة جمعية معتبرة لصيقة بجذور تركيا المسلمة ،في ملفات كفلسطين ، العلاقة مع المشرق العربي ، وطبيعة التعامل مع دولة الاحتلال والغرب في ظل هذه الثقافة .
2. استقلالية القرار السياسي، والقدرة على مواجهة الضغوط، والاهم امتلاك نقاط المساومة التي معها لم تستطع الولايات المتحدة وأوروبا إلى الآن جمع تركيا و(إسرائيل) وفق الأجندة الصهيونية.
3. الصمود على الموقف، والرد على (إسرائيل) في هيبتها، من خلال عدم التنازل عن الشروط التي وضعت بعد أحداث مرمرة والتي تؤشر على أن هناك قرارا سياسيا قادرا على فرض الأجندة التركية دون تردد .
4. بناء منظومة مؤسسية متماسكة، حاكمة، ومتصرفة وفق المخطط والإستراتيجية التركية ، التي نجحت في بناء دولة تعتبر من أهم الدول المؤثرة في المنطقة متجاوزة (اسرائيل) في مجالات عديدة وجوهرية .
5. إعادت تركيا صياغة علاقاتها الخارجية وفق قاعدة الندية لا التبعية مما جل التعامل معها من الغرب يقوم على الاحترام المتبادل المبني على القواعد المألوفة في السياسة بين الدول المستقلة و المحترمة.
6. عززت تركيا حضورها الاقتصادي من خلال نشاط تجاوز الاستثمار الداخلي الى حركة منظمة تدمج بين السياسة و الاقتصاد في معظم الدول المهمة في المنطقة .
واقع تركيا الجديد إضافة نوعية للأمة التي وجب عليها التحرك وفق منظومة فهم لمستقبل يحتاج الى تخطيط واعي ، خاصة بعد ما تحقق في الربيع العربي من تغيير لأنظمة فاسدة ، وقدوم حركات ظلت قريبة من خطاب يؤهلها لعمل تحالفات هدفها النهضة البناء .