أوضح الشيخ سلمان الداية عضو رابطة علماء المسلمين، اليوم الأربعاء، حكم تعجيل أداء الزكاة قبل وقتها المحدد في حال الحاجة إلى ذلك.
وفيما يلي نص الفتوى:
مَا حُكْمُ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا الْمُحَدَّدِ فِي حَالِ الْحَاجَةِ لِذَلِكَ؟
أ.د. سلمان نصر الداية
عضو رابطة علماء المسلمين
عميد كلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية سابقاً
الْجَوَابُ/ الْحَمْدُ للهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ، وَصَحْبِهِ، وَمَنْ وَالَاهُ، وَبَعْدُ:
إِذَا وَقَعَتْ بِالنَّاسِ نَازِلَةٌ، أَوْ أَصَابَتْهُمْ جَائِحَةٌ، أَوِ ابْتُلُوا بِالْأَوْبِئَةِ الْقَاتِلَةِ، أَوْ ضَرَبَتْهُمُ الزَّلَازِلُ، وَتَوَقَّفَ النَّاسُ عَنْ أَسْبَابِ الرِّزْقِ، وَحَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ فِي بُيُوتِهِمْ، وَأَغْلَقُوا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَهَا، وَاشْتَدَّتْ بِهِمُ الْفَاقَةُ، فَإِنَّ أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ وَآكَدَهَا حَالَتَئِذٍ: الْمُوَاسَاةُ بِصَنَائِعِ الْمَعْرُوفِ؛ فَعَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ صَدَقَةَ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَإِنَّ صَنَائِعَ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السَّوْءِ). [حسن لغيره، أخرجه: الطبراني/المعجم الأوسط(943)(1/ 289)]
وَصَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا: قِرَى الضَّيْفِ، وَالْقَرْضُ الْحَسَنُ، وَالْهِبَةُ، وَالْوَصِيَّةُ، وَالْوَقْفُ، وَالصَّدَقَةُ، وَالزَّكَاةُ، وَهِيَ مِنْ أَحَبِّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ، وَأَعْظَمِهَا أَثَرَاً فِي حِفْظِ صَاحِبِهَا، وَحِرَاسَةِ مَصَالِحِهِ، وَتَفْرِيجِ كَرْبِهِ، وَذَهَابِ هَمِّهِ وَغَمِّهِ، وَشِفَاءِ وَجَعِهِ، وَحِرَاسَتِهِ مِنَ الْغَائِلَةِ؛ فَعَنْ أَبَي قَتَادَةَ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ، أَوْ يَضَعْ عَنْهُ). [أخرجه: مسلم/صحيحه(1563)(3/ 1196)]
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ). [أخرجه: مسلم/صحيحه(2699)(4/ 2074)]
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟، وَأَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعَهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٍ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دِينًا، أَوْ تَطْرَدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلَأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ، يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ، شَهْرًا، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ، مَلَأَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَلْبَهُ أَمْنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى أَثْبَتَهَا لَهُ أَثْبَتَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدَمَهُ عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ الْأَقْدَامُ). [حسن، أخرجه: الطبراني/ المعجم الأوسط(6026)(6/ 139)]
وَاعْلَمُوا أَنَّ كِفَايَةَ الْمُحْتَاجِ فَرْضُ كِفَايَةٍ، يُطَالَبُ بِهاَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْجُمْلَةِ، فَإِذَا قَعَدُوا عَنْهَا أَثِمُوا جَمِيعَاً، وَإِذَا أَدَّاهَا بَعْضُهُمْ؛ سَقَطَ الْإِثْمُ عَنِ الْآخَرِينَ.
وَمِمَّا يَجْدُرُ التَّذْكِيرُ بِهِ فِي هَذِهِ الظُّرُوفِ الْحَرِجَةِ الَّتِي تَعْصِفُ بِبَعْضِ دُوَلِنَا الْمُسْلِمَةِ مِنْ جَرَّاءِ الزَّلَازِلِ الَّتِي خَلَّفَتْ دَمَارَاً فِي الْأَنْفُسِ وَالْمُمْتَلَكَاتِ: تَعْجِيلُ زَكَاةِ الْمَالِ، وَقَدْ ذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ فِي قَوْلٍ، وَالشَّافِعَيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى جَوَازِ تَعْجِيلِ زَكَاةِ الْمَالِ إِذَا كَانَ الْمَالُ بَالِغَاً نِصَابَاً.
وَعُمْدَتُهُمْ فِي ذَلِكَ: حَدِيثُ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّ الْعَبَّاسَ رضي الله عنه: «سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي تَعْجِيلِ صَدَقَتِهِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ، فَأَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ». [حسن، أخرجه: الطبراني/ المعجم الأوسط(6026)(6/ 139)]
وَفِي لَفْظٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعُمَرَ رضي الله عنه: (إِنَّا قَدْ أَخَذْنَا مِنَ الْعَبَّاسِ زَكَاةَ الْعَامِ عَامِ الْأَوَّلِ). [أخرجه: الدارقطني/سننه(2010)(3/ 32)]
وَالسُّنَّةُ أَقْوَالٌ وَأَفْعَالٌ وَتَقْرِيرَاتٌ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ جَائِزَاً؛ لَمَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَالِ عَمِّهِ الْعَبَّاسِ رضي الله عنه.
وَعَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما: كَانَ يَبْعَثُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ إِلَى الَّذِي تُجْمَعُ عِنْدَهُ قَبْلَ الْفِطْرِ، بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ. [أخرجه: مالك/ الموطأ(994)(2/ 405)]
وَلَوْلَا جَوَازُ التَّعْجِيلِ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ؛ لَمَا فَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما، وَهُوَ مِنْ أَشَدِّ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم تَحَرِّيَاً لِلسُّنَّةِ، وَزَكَاةُ الْمَالِ تَلْحَقُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ؛ بِجَامِعِ الْوُجُوبِ وَالْإِحْسَانِ فِيهِمَا.
وَقَدْ قَالَ بِهَذَا التَّابِعُونَ، مِنْهُمْ: عَطَاءٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَالْحَسَنُ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَالضَّحَّاكُ، وَالزُّهْرِيُّ، قَالُوا: لَا بَأْسَ بِتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ.
وَلِأَنَّ الْمَالَ إِذَا بَلَغَ نِصَابَاً؛ فَقَدْ وُجِدَ فِيهِ سَبَبُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ؛ فَجَازَ تَعْجِيلُهَا؛ قِيَاسَاً عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ قَبْلَ حُلُولِ أَجَلِهِ، وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ حَقٌّ مَالِيٌّ أُجِّلَ رِفْقَاً بِصَاحِبِ الْمَالِ؛ فَجَازَ تَعْجِيلُهُ لَهَا قَبْلَ حُلُولِ حَوْلِهَا.
وَزَمَنُ التَّعْجِيلِ مَفْتُوحٌ بَابُهُ فِي الرَّاجِحِ مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِفِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي مَالِ عَمِّهِ؛ فَقَدْ عَجَّلَهَا لِسَنَتَيْنِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدِهِ عَنْ حَفْصِ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ عَنْ رَجُلٍ، أَخْرَجَ زَكَاةَ ثَلَاثِ سِنِينَ ضَرْبَةً قَالَ: «يُجْزِيهِ». [أخرجه: ابن أبي شيبة/مصنفه (10103)(2/ 378)].
واللهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ، وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.